يناقش هذا القسم المداخلات المبنية المراعية لاحتياجات الأطفال من خلال تحديد الرابط بين رفاه الطفل والبيئة المبنية. أظهرت الأبحاث وجود علاقة بين البيئة المبنية ورفاه الأطفال: “قد تكون البيئة المبنية في الحي مهمة للحد من صعوبات الصحة النفسية وزيادة أهليتها لدى الأطفال الصغار” (ألديرتون وآخرين، ٢٠١٩). تصميم الحي يمكن أن يعزز الشعور بالأمان والهوية الإيجابية والانتماء، ويقلل من حدة التوترات ويوفر الحماية من أعراض الصدمات التي يعيشها الأطفال (أكيسون ودينوف، ٢٠١٧، ص١٤٠).
تشير منظمة إنقاذ الطفل إلى أن المساحات التي تشجع الأطفال على اللعب، والتعبير عن أنفسهم، والتواصل الاجتماعي قد تكون أساسية في الحد من التوتر، وتحسين المرونة، والتنمية الإيجابية (بارتليت والتس، ٢٠٠٦). كما يعد الوصول إلى الطبيعة، والأماكن العامة المفتوحة أمراً مهماً للصحة النفسية، وعلاقاتها في الحد من المشاكل النفسية (ألديرتون وآخرين، ٢٠١٩)
تساهم البيئة المبنية في قدرة الأطفال على التعلم (بارتليت والتس، ٢٠٠٦). ولكي ينمو عقل الطفل بشكل جيد، يجب تحفيزه من خلال “الألوان والمواد والأشكال، ومن خلال فرص المشاهدة، واللمس، والمحاكاة، والتجربة، والاستكشاف… وإن البيئة الآمنة والمحفزة أمر أساسي لضمان حصول الأطفال على فرص اللعب التي يحتاجونها، وبذلك يكون كل يوم فرصة لهم للتعلم” (المرجع نفسه، ص ٦).
بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن هناك علاقة بين البيئة المبنية وإحساس الأطفال بقيمة الذات (تشاولا، ٢٠٠١). على سبيل المثال، يعتبر الأطفال أن العناصر المفقودة من البيئة المبنية هي بمثابة انعكاس مذل لقيمتهم الذاتية كأشخاص (المرجع نفسه). هناك أدلة قوية على فوائد النشاط البدني واللعب للنمو المعرفي والنفسي والاجتماعي للأطفال ورفاههم. تكشف البيانات من مجالات علم النفس العصبي وعلم الأدوية النفسي عن حدوث تغيرات واضحة في الدماغ نتيجة اللعب، كما تأثر أيضاً على السلوك الاجتماعي والقدرة على التعلم معاً (هيوز، ١٩٩٩).
تتجلى العلاقة بين البيئات المعيشية الفقيرة وضعف نمو الطفل بشكل خاص في سياقات الأزمات، حيث يعيش الأطفال غالباً في مخيمات طويلة الأمد تفتقر إلى مرافق التعليم واللعب. تتميز المستوطنات غير الرسمية بالنوعية الهيكلية الرديئة للإسكان ونقص الخدمات الأساسية. وغالباً ما تقوم الأسر الفقيرة ببناء منازلها من مواد البناء المعاد تدويرها، والتي عاد ًة تكون رديئة (أمورس، ٢٠١٧)، وقد تفتقر هذه المساكن إلى الضوء الطبيعي، والتهوية، والتدفئة، والخصوصية، وقلة المساحات الداخلية والخارجية.
تشير بعض الدراسات إلى أن حساسية الأطفال الصغار تجاه البيئات المعيشية الفقيرة يمكن أن تسبب أضراراً جسدية ونفسية لا رجعة فيها (جوردن وآخرين، ٢٠٠٣). لذلك في البيئات التي يُحرم فيها الأطفال من فرص التعلم الاجتماعي، يمكن للبيئة المبنية الداعمة والآمنة أن تحدث فرقاً كبيراً في نوعية حياة الأطفال. كما أن في البيئات التي تشجع وجود الأطفال في المجال العام، يزداد الإدراك بالأمان ما يجذب الناس ويعزز فرص التفاعل الاجتماعي (بارتليت، ١٩٩٩).
ومع ذلك، في الكثير من الأحيان يخفق مختصو البيئة المبنية في التفكير بالتأثير المحتمل للمساحات التي يرسمونها ويبنونها على رفاه الطفل. وغالباً ما يكون هناك افتراض ضمني (وخاطئ) مفاده أن “تحسين ظروف المجتمع ككل يؤثر على الأطفال بنفس الطريقة التي يؤثر بها على أي شخص آخر” (بارتليت، ١٩٩٩).
أدى الاعتراف بأهمية البيئة المبنية في رفاه الطفل إلى قيام العديد من الجهات الفاعلة بتطوير مداخلات مبنية مراعية لاحتياجات الأطفال. وفي إطار هذه المجموعة من المداخلات، يقترح هذا الدليل التصميم التشاركي مع الأطفال كمنهج مفيد، وسيعرض القسم التالي بعض فوائده. يعمل المفهومان أدناه المطوران من قبل اليونيسف على تعزيز فكرة تحسين رفاه الطفل من خلال وجود بيئات مادية مخططة ومصممة بشكل أفضل للاستجابة للأطفال في البيئات المدينية وفي حالات الطوارئ. وهذان المفهومان هما المدن الصديقة للأطفال والمساحات الصديقة للأطفال.
تروج مبادرة المدن الصديقة للأطفال التابعة لليونيسف (CFCI) أن الأطفال والمراهقين، بمن فيهم أكثر الأشخاص المعرضين للإقصاء، يستفيدون من تطوير وتنفيذ سياسات شاملة، غير تمييزية، ومراعية لاحتياجات الأطفال على المستوى المحلي. ومن خلال مشاركة الطفل الهادفة والشاملة والمنتظمة في عمليات صنع القرار المحلية في المناطق المدينية، سيتمكن الأطفال والمراهقون من الوصول إلى الخدمات الاجتماعية الأساسية الجيدة، والعيش في بيئة آمنة ونظيفة، كما ستتوفر لهم فرص الاستمتاع بالحياة الأسرية واللعب وأوقات الفراغ.
هناك أمثلة ملهمة موجودة على منصة مبادرة المدن الصديقة للأطفال التابعة لليونيسف.
المساحات الصديقة للأطفال (CFSs) هي نوع من البنى التحتية الاجتماعية للأطفال التي تستخدمها الوكالات الإنسانية لزيادة وصول الأطفال إلى بيئات آمنة، وتعزيز رفاههم النفسي والاجتماعي. تحاول المساحات الصديقة للأطفال توفير مكان آمن حيث يمكن لهم أن يجتمعوا للعب والاسترخاء والتعبير عن أنفسهم والشعور بالدعم وتعلم المهارات للتعامل مع التحديات التي يواجهونها (منظمة إنقاذ الطفل، ٢٠١٨). في حالات الطوارئ، مثل النزاعات والكوارث الطبيعية، أصبح إنشاء المساحات الصديقة للأطفال استجابة شائعة للتحديات التي يواجهونها.
تؤثر المساحات الصديقة للأطفال بشكل إيجابي على الأطفال المتأثرين بالنزوح، ولكن لا تُنشأ دائماً من خلال عمليات تشاركية مع الأطفال. وبالتالي فإنها تفتقد لفوائد الرفاه الناتجة عن إشراك الأطفال في عمليات التصميم التشاركي.
يمكن العثور على مناقشة أكثر استفاضة حول رفاه الطفل والبيئة المبنية في ملخصات DeCID المواضيعية: تنمية ومشاركة الطفل في النزوح المديني